جيمي كارجر .. أرسين فينجر .. ستيف ماكلارين ..ديفيد بيكام .. روبرت ميردوخ .. كلها أسماء تنتمي لقائمة طويلة جدا من الأشخاص الذين يستحقون اللوم والحساب على فشل منتخب إنجلترا في بلوغ كأس الأمم الأوروبية 2008 لأسباب عديدة .. لكن يوم الخميس ستنشر صحف بريطانية عريقة صورة حارس شاب دفع ثمن الخطايا الثلاث للكرة الإنجليزية باعتباره المسئول الأول عن الكارثة .. هذا الحارس اسمه سكوت كارسون.
كارسون البالغ من العمر 22 عاما والذي تسبب في دخول هدف من الأهداف الكرواتية الثلاثة في شباك إنجلترا سيقرأ تحليلات صحفية ويشاهد تقارير تدين مدربه ماكلارين باعتبار أن وجوده في التشكيل هو سبب خروج الفريق من التصفيات لكن القليل من قراء الصحف سيدرك أن لدى ذلك الحارس اجتمعت خطايا الكرة الإنجليزية الثلاث، وهي ضعف المسابقة المحلية، والحماقات الفنية لماكلارين، والسذاجة الإدارية للاتحاد الإنجليزي.
الخطيئة الأولى : دوري ضعيف
قد يكون الدوري الإنجليزي هو أقوى مسابقة في العالم ويضم نخبة نجوم الدنيا لكن بالنسبة للمنتخبات الإنجليزية هو دوري ضعيف لأنه يضم ما يزيد عن 260 محترفا ويتجاوز بنسبة محترفيه الليجا الإسبانية والكاليتشو الإيطالي، وهو ما يحرم عديد من المواهب الإنجليزية من الظهور بعدما صارت أقلية، ويكفي أن أخر اسبوع للدوري الإنجليزي شهد مشاركة 74 لاعبا إنجليزيا من أصل 220 لاعبا شاركوا في المباريات.
هذا الرقم المذهل تسبب في وجود نقص حقيقي في اختيارات المدير الفني لإنجلترا وخصوصا في مركز حارس المرمى إذ لا يلعب بصفة أساسية في الدوري الإنجليزي الممتاز خلال السنوات الأخيرة إلا ما يقرب من خمسة حراس إنجليز من بينهم كارسون ، وفي عهد إريكسون كان روبرت جرين حارس نوريتش سيتي الذي يلعب في الدرجة الأولى الحارس الثالث لإنجلترا، في الوقت الذي يلعب حراس الدول الأوروبية الكبرى في الدوري الإنجليزي مثل التشيكي تشك(تشيلسي) والهولندي فان ديرسار (مانشستر يونايتد) والألماني ينز ليمان (أرسنال).
وفي مراكز ظهيري الأجناب والهجوم تحدث أزمة كبيرة دوما عند إصابة اللاعبين الإنجليز الأساسيين في منتخب بلادهم لأن البدلاء عددهم قليل ومستواهم أقل كثيرا، وهو ما تسبب في مشكلات كبيرة عندما يصاب واين روني أو مايكل أوين أوحتى جاري نيفيل.
وخلال الشهر الأخير وتحديدا بعد أن ساء موقف إنجلترا في المجموعة خلف روسيا وكرواتيا بدأ الجميع يشن حملة إعلامية للحد من عدد اللاعبين المحترفين في الأندية الإنجليزية، وكان الفرنسي فينجر مدرب أرسنال هو الوحيد الذي يدافع عن النظام الحالي بعدم تحديد المحترفين نظرا لأن فريقه يكاد يخلو حاليا من اللاعبين الإنجليز وهو متصدر المسابقة.
واستغل البعض سوء موقف إنجلترا لتحميل فينجر مسئولية الوضع، وفوجيء الجميع بأليكس فيرجسون مدرب مانشستر يونايتد والغريم التقليدي لفينجر يطلب بتقليل المحترفين ومن بعده ستيفن جيرارد قائد ليفربول وزميله المدافع جيمي كارجر الذي طالب بتقليل عدد المحترفين.
لكن بنظرة موضوعية سنكتشف أن فينجر ليس المسئول وحده بل المسئولية جماعية لأن كارجر نفسه قرر الاعتزال دوليا ليتفرغ للعب مع ليفربول رغم وصوله إلى أفضل مستوى من النضج الفني ولم يستجب لنداءات ماكلارين للعدول عن قراره وربما لو لعب مباراة كرواتيا لفعل ما هو أفضل من سول كامبل وجوليون ليسكوت، وحتى جيرارد لا يستطيع لوم مدربه بنيتيث على التعاقد سنويا مع لاعبين إسبان وأرجنتينيين دون المستوى على حساب ناشئي ليفربول.
بل سنكتشف أن نادي ليفربول نفسه لم يمنح فرصة اللعب لكارسون عندما كان ضمن صفوف النادي وفي المقابل منحها للبولندي دوديك والإسباني بيبي ريينا رغم أخطائهما الكارثية، بل وحتى فيرجسون نفسه كان المحرض الأول لبول سكولز ليعتزل دوليا ويفعل ذلك حاليا مع ريو فرديناند، وربما يكون السبب الوحيد لتواجد النجوم الإنجليز في مانشستر وتشيلسي هو قدرتهما المالية الكبيرة على شراء بمبالغ فلكية، بينما يفضل فينجر شراء نجوم رخيصة الثمن من فرنسا أو أفريقيا أو أوروبا الشرقية بحكم ميزانيته المحدودة للتعاقدات.
الخطيئة الثانية : حماقات مدرب
وإذا كان اللاعبون الأجانب يسيطرون على المسابقة فالحال لن يختلف عند متابعة حال المدربين، ويكفي أن الأندية الإنجليزية الكبرى لا يقوم بتدريبها إنجليزي، وعندما بحث الاتحاد الإنجليزي عن بديل لإريكسون كان المتاح أمامه مدربون من نوعية ماكلارين مدرب ميدلسبره وألان كيربشلي مدرب تشارلتون وسام ألارديس مدرب بولتون وكلهم صنعوا فرقا تلعب في منطقة الوسط بالدوري لكن خبراتهم الدولية ضعيفة ولم يتعرضوا لاختبارات نفسية وفنية كمورينيو وفيرجسون وبنيتيث وحتى خواندي راموس.
وبعد وقوع الاختيار على ماكلارين عقب مونديال 2006 باعتباره ساعد إريكسون وبلغ مع ميدلسبره نهائي كأس الاتحاد الأوروبي ليخسر أمام سيفيليا بالأربعة تحت قيادة راموس، جاءت اختيارات الرجل غريبة وكان أول قرار له هو إنهاء مرحلة ديفيد بيكام مع المنتخب الإنجليزي مع انه وطبقا لمباريات المونديال كان أفضل لاعبي إنجلترا سواء بتسجيل الأهداف أو صناعتها.
وكان غريبا أن يساهم ماكلارين في تنازل إنجلترا عن أبرع لاعب في العالم يجيد التمرير العرضي بمختلف أنواعه وأكثر لاعبيها خبرة لتتركه يعتزل دوليا كما لو كان هو المسئول الوحيد عن خروج إنجلترا من المونديال رغم أن الجميع مسح دموع روني المسكين الذي ضرب "الشيطان" كريستيانو رونالدو في مباراة البرتغال في المونديال، والمثير أن هذا حرفيا حدث مع بيكام نفسه عندما ضرب الأرجنتيني سيموني في مونديال 1998.
وقال وقتها ماكلارين أن مرحلة بيكام مع إنجلترا انتهت وذلك لوجود البديل ممثلا في أرون لينون لاعب توتنام وشون رايت فيليبس لاعب تشيلسي وكلاهما من صغار السن ومن المميزين بالقدرة على الاختراق السريع لكن لا أحد منهما يملك براعة بيكام في التمرير العرضي أو في صناعة ألعاب الهواء.
كان وجود بيكام مع لينون أو فيليبس يمنح ماكلارين مرونة اختيار التشكيل وتوظيف مهام لاعبيه أو المناورة من خلال تبادل الدفع ببيكام المميز بالتمرير أو بديله المميز بالاختراق لكن المدير الفني لإنجلترا تعامل مع بيكام كخيل الحكومة واختار جون تيري قائدا لإنجلترا وكأنما أراد تفادي اتخاذ قرار بجلوس بيكام على دكة البدلاء او إخراجه من الملعب حين يصاب بالإرهاق أو لتراجع مستواه.
وبعيدا عن بيكام فشل ماكلارين في حل أهم معضلات خط وسط إنجلترا وهي كيفية توظيف قدرات جيرارد وفرانك لامبارد وهما من أصحاب القدرات والمهام المتشابهة وكلاهما يريد التقدم من خط الوسط لمساندة الهجوم فتكون النتيجة هي اللعب بخطة 4-5-1 حيث يتقدم جيرارد ولامبارد مع الجناحين ويقوم لاعب مثل جاريث باري وأوين هارجريفيز بدور لاعب الوسط المدافع ، لكن أثبتت التجربة ومنذ أيام إريكسون أن هذا الأسلوب يضعف الهجوم خصوصا أن انسجام النجمين أقل من انسجامهما مع زملائهما في ليفربول وتشيلسي.
والأفضل أن تلعب إنجلترا بأربعة لاعبين في الوسط سواء يصطفون بالشكل التقليدي أو على شكل الماسة فيتقدم لامبارد ويتراجع جيرارد أو العكس أو حتى يجلس أحدهما على دكة البدلاء.
وفي مباراة كرواتيا تجمعت كل كوارث ماكلارين فقد أصر على الدفع بكارسون بدلا من حارسه الأساسي روبينسون وواصل رهانه على جيرارد ولامبارد وأقعد بيكام على دكة البدلاء رغم أن بيتر كراوتش هو مهاجمه الوحيد .. ولا أدري لماذا لا تدفع بأبرع لاعب يرسل كرات عرضية في العالم حينما تملك أطول مهاجم في العالم؟
الخطيئة الثالثة : اتحاد ساذج
كان سيناريو رحيل إريكسون عن منصبه كمدير فني لمنتخب إنجلترا بمثابة مسرحية هزلية بطلها الاتحاد الإنجليزي ولم يكن بديله بنفس مستواه بدليل أن توجيه اللوم إلى المدرب السويدي كان يتكرر دوما لخروجه من دور الثمانية في بطولة أوروبا وبطولتين لكأس العالم ولم يكن لفشله في بلوغ البطولة من الأصل.
إريكسون رحل بعد أن نجحت صحيفة نيوز أوف ذا ورلد في خداعه وإقناعه أن مندوبها من مليارديرات الخليج وعرض عليه وظيفة وهمية وقامت الجريدة التي يملكها روبرت ميردوخ امبراطور الإعلام بحملة عنيفة على الرجل مستغلة ما لديها من تسجيلات وصور لديه يتحدث خلالها بصراحة عن استعداده ترك منتخب إنجلترا.
وبدلا من رأب الصدع اتفق الاتحاد الإنجليزي مع إريكسون قبل المونديال على رحيله وهو أمر مفهوم لكن إعلان هذه النية قبل بطولة في حجم كأس العالم كان كارثة حقيقية ، وأخذ الاتحاد يفاوض المدربين العالميين لتدريب إنجلترا ومنهم لويس سكولاري مدرب البرتغال الذي كان مرحبا بالمهمة لكن لا أحد يعرف كيف تصور الاتحاد الإنجليزي أن سكولاري سيعلن ترحيبه بهذه المفاوضات قبل شهرين من المونديال وهو على رأس أحد المنتخبات المرشحة للمنافسة بل وماذا كان سيصبح موقف الرجل إذا اتفق مع الإنجليز على تدريب منتخبهم ثم فوجيء بنفسه يواجه إنجلترا في دور الثمانية!
وكان الحل هو المدرب المحلي فلم يجد الاتحاد سوى ماكلارين مساعد إريكسون ليعلن توليه تدريب إنجلترا قبل المونديال، فكانت الطائرة التي حملت المنتخب الإنجليزي إلى ألمانيا تضم المدير الفني الحالي والمدير الفني المستقبلي، وقام إريكسون بناء على هذا باختيار تشكيل فيه الكثير من المقامرة بضم الطفل ثيو والكوت وروني وأوين المصابين لأنه لم يكن لديه ما يخسره وكان يحاول الفوز بالمونديال بضربة حظ فلم يعد مطالبا بتفسير تصرفاته لأي شخص بعد فسخ تعاقده.
وبعد كل نتيجة هزيلة تحققت في عهد ماكلارين كان الاتحاد الإنجليزي يعلن دعمه للمدرب وتردد وسائل الإعلام في سذاجة جمل الإشادة بالرجل من جانب لاعبيه والإشادة بروبينسون وكارسون وغيرهم.
ويكفي أن هزيمة إنجلترا على يد كرواتيا في حد ذاتها لم تكن سببا في الخروج من يورو 2008 لكن قراءة نتائج المنتخب الإنجليزي منذ تولاه ماكلارين تكشف أن الهزيمة الحقيقية جاءت يوم تعادل الإنجليز على ملعبهم مع مقدونيا بدون أهداف خلال تصفيات مجموعتهم ليهدروا نقطتين في متناول اليد، كان جمهعما كفيلا بالتأهل دون الحاجة حتى لخوض لقاء الجولة الأخيرة والذي سيتحمل بسببه سكوت كارسون دهرا من النقد اللاذع.